سورة الشورى - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


قوله تعالى: {والذين يَجْتَنِبون كبائرَ الإِثم} وقرأ حمزة، والكسائي: {كبيرَ الإِثم} على التوحيد من غير ألف، والباقون بألف. وقد شرحنا الكبائر في سورة [النساء: 31]. وفي المراد بالفواحش هاهنا قولان:
أحدهما: الزنا.
والثاني: موجبات الحدود.
قوله تعالى: {وإِذا ما غَضِبوا هم يَغْفِرون} أي: يَعْفُون عمَّن ظَلَمهم طلباً لثواب الله تعالى.
{والذين استجابوا لربِّهم} أي: أجابوه فيما دعاهم إليه.
{وأمرُهم شُورى بينَهم} قال ابن قتيبة: أي يتشاورون فيه بينهم. وقال الزجاج: المعنى أنهم لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه.
قوله تعالى: {والذين إِذا أصابهم البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرون} اختلفوا في هذا البَغْي على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه بَغْيُ الكفار على المسلمين، قال عطاء: هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبَغَوْا عليهم، ثم مَكنَّهم الله منهم فانتصروا. وقال زيد بن أسلم: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين بمكة، فرقة كانت تُؤذَى فتَعفو عن المشركين، وفرقة كانت تُؤذَى فتنتصر، فأثنى اللهُ عز وجل عليهم جميعاً، فقال في الذين لم ينتصروا: {وإِذا ما غَضِبوا هم يَغْفِرون}، وقال في المنتصِرين: {والذين إِذا أصابهم البَغْيُ هم ينتصرون} أي: من المشركين. وقال ابن زيد: ذكر المهاجرين، وكانوا صنفين، صنفاً عفا، وصنفاً انتصر، فقال: {وإِذا ما غَضِبوا هم يَغْفِرون}، فبدأ بهم، وقال في المنتصرين: {والذين إِذا أصابهم البَغْي هم ينتصِرون} أي: من المشركين؛ وقال: {والذين استجابوا لربِّهم} إلى قوله: {يُنْفِقون} وهم الأنصار؛ ثم ذكر الصِّنف الثالث فقال: {والذين إِذا أصابهم البَغْيُ هم ينتصِرون} من المشركين.
والثاني: أنه بَغْيُ المسلمين على المسلمين خاصة.
والثالث: أنه عامّ في جميع البُغاة، سواء كانوا مسلمين أو كافرين.
فصل:
واختلف في هذه الآية علماء الناسخ والمنسوخ، فذهب بعض القائلين بأنها في المشركين إلى أنها منسوخة بآية السيف، فكأنهم يشيرون إلى أنها أثبتت الانتصار بعد بَغْي المشركين، فلمّا جاز لنا أن نبدأَهم بالقتال، دَلَّ على أنها منسوخة. وللقائلين بأنها في المسليمن قولان:
أحدهما: أنها منسوخة بقوله: {ولَمَنْ صَبَرَ وغَفَرَ} [الشورى: 43] فكأنها نبَّهتْ على مدح المنتصِر، ثم أعلمنا أن الصبر والغفران أمدح، فبان وجه النسخ.
والثاني: أنها محكَمة، لأن الصبر والغفران فضيلة، والانتصار مباح، فعلى هذا تكون محكمة، وهو الأصح.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية وظاهرُها مدح المنتصِر وبين آيات الحَثِّ على العفو؟ فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أنه انتصار المسلمين من الكافرين، وتلك رتبة الجهاد كما ذكرنا عن عطاء.
والثاني: أن المنتصِر لم يَخرج عن فعل أُبيح له، وإن كان العفو أفضل، ومَنْ لم يَخرج من الشرع بفعله، حَسُنَ مدحُه. قال ابن زيد: جعل الله المؤمنين صنفين، صنفٌ يعفو، فبدأ بذكره وصنفٌ ينتصر.
والثالث: أنه إذا بغي على المؤمن فاسقٌ، فلأنَّ له اجتراءَ الفُسَّاق عليه، وليس للمؤمن أن يُذِلَّ نَفْسه، فينبغي له أن يَكْسِر شوكة العُصاة لتكون العِزَّة لأهل الدِّين. قال إبراهيم النخعي: كانوا يَكرهون للمؤمنين أن يُذِلًّوا أنفُسَهم فيجترئَ عليهم الفُسّاق، فإذا قَدَروا عَفَوْا. وقال القاضي أبو يعلى: هذه الآية محمولة على من تعدَّى وأصرَّ على ذلك، وآيات العفو محمولة على أن يكون الجاني نادماً.
قوله تعالى: {وجزاءُ سيِّئةٍ سيِّئةٌ مِثْلُها} قال مجاهد، والسدي: هو جواب القبيح، إذا قال له كلمة إجابة بمثْلها من غير أن يعتديَ. وقال مقاتل: هذا في القصاص في الجراحات والدماء.
{فمن عفا} فلم يقتصّ {وأصلَح} العمل {فأجْرُه على الله إِنه لا يُحِبُّ الظّالمين} يعني من بدأَ بالظُّلم. وإنما سمَّى المجازاةَ سيِّئةً، لما بيَّنَّا عند قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} [البقرة: 194]. قال الحسن: إذا كان يوم القيامة نادى مُنادٍ: لِيَقُم مَنْ كان أجْرُه على الله، فلا يقوم إلاّ من عفا.
{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} أي: بعد ظُلم الظّالم إيَّاه؛ والمصدر هاهنا مضاف إلى المفعول، ونظيره: {من دُعاءِ الخير} [فصلت: 49] و{وبسؤال نعجتك} [ص: 24]، {فأولئك} يعني المنتصرين {ماعليهم من سبيل} أي: من طريق إلى لَوْم ولا حَدِّ {إِنما السبيلُ على الذين يًظْلِمون الناس} أي: يبتدؤون بالظُّلم {ويَبْغُونَ في الأرض بغير الحق} أي: يعملون فيها بالمعاصي.
قوله تعالى: {ولَمَن صَبَر} فلم ينتصرِ {وغَفَرَ إِنَّ ذلك} الصبر والتجاوز {لَمِنْ عَزْمِ الأًمورِ} وقد شرحناه في [آل عمران: 186].


قوله تعالى: {ومَنْ يْضْلِلِ اللهُ فما لَهُ من وليّ} أي: من أحدٍ يلي هدايته بعد إضلال الله إيّاه.
{وتَرى الظالمين} يعني المشركين {لمّا رأوُا العذابَ} في الآخرة يسألون الرّجعة إلى الدنيا {يقولون هل إِلى مَرَدٍ من سبيل}.
{وتَراهم يُعْرَضون عليها} أي: على النار {خاشعين} أي: خاضعين متواضعين {من الذُّلِّ ينظُرون من طَرْفٍ خَفِيٍّ} وفيه أربعة أقوال:
أحدها: من طَرْفٍ ذليل، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد. وقال الأخفش: ينظُرون من عين ضعيفة. وقال غيره: {مِنْ} بمعنى الباء.
والثاني: يسارِقون النظر، قاله قتادة، والسدي.
والثالث: ينظُرون ببعض العَيْن، قاله أبو عبيدة.
والرابع: أنهم ينظُرون إلى النار بقلوبهم، لأنهم قد حُشروا عُمْياً فلم يَرَوها بأعيُنهم، حكاه الفراء، والزجاج. وما بعد هذا قد سبق بيانه [الأنعام: 12] [هود: 39] إلى قوله: {ينصُرونهم من دون الله} أي: يمنعونهم من عذاب الله.


قوله تعالى: {استجيبوا لربّكم} أي: أجيبوه، فقد دعاكم برسوله {مِنْ قَبْلِ أن يأتيَ يومٌ} وهو يوم القيامة {لا مَرَدَّ له من الله} أي: لا يَقدر أحد على رَدِّه ودَفْعه {مالكم مِنْ ملجأٍ} تلجؤون إليه، {وما لكم من نَكيرٍ} قال مجاهد: من ناصر ينصُركم. وقال غيره: من قُدرة على تغيير ما نزل بكم.
{فإن أَعْرَضوا} عن الإِجابة {فما أرسلناك عليهم حفيظاً} لحفظ أعمالهم {إِنْ عليك إلاّ البلاغُ} أي: ما عليك إلاّ أن تبلِّغهم. وهذا عند المفسرين منسوخ بآية السيف.
قوله تعالى: {وإِنّا إِذا أذَقْنا الإِنسانَ مِنّا رحمةً فَرِحَ بها} قال المفسرون: المراد به: الكافر؛ والرحمة: الغنى والصحة والمطر ونحو ذلك. والسَّيِّئة: المرض والفقر والقحط ونحو ذلك. والإنسان هاهنا: اسم جنس، فلذلك قال: {وإِن تُصِبْهم سيِّئةٌ بما قدَّمتْ أيديهم} أي: بما سلف من مخالفتهم {فإنَّ الإنسان كفورٌ} بما سلف من النِّعم.
{للهِ مُلْكُ السموات والأرض} أي: له التصرُّف فيها بما يريد، {يَهَبُ ِلَمن يشاء إناثاً} يعني البنات ليس فيهنّ ذَكَر، كما وهب للوط صلى الله عليه وسلم، فلم يولَد له إلاَ البنات. {ويَهَبُ لِمَن يشاء الذُّكور} يعني البنين ليس معهم أُنثى، كما وهب لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، فلم يولد له إِلا الذًّكور.
{أو يزوِّجُهم} يعني الإناث والذُّكور. قال الزجاج: ومعنى {يزوِّجُهم}: يَقْرُنُهم. وكل شيئين يقترن أحدهما بالآخر، فهما زوجان، ويقال لكل واحد منهما: زوج، تقول: عندي زوجان من الخِفاف، يعني اثنين.
وفي معنى الكلام للمفسرين قولان:
أحدهما: أنه وضْعُ المرأة غلاماً ثم جارية ثم غلاماً ثم جارية، قاله مجاهد، والجمهور.
والثاني: أنه وضْعُ المرأة جاريةً وغلاماً توأمين، قاله ابن الحنفية. قالوا: وذلك كما جُمع لمحمد صلى الله عليه وسلم فإنه وهب له بنين وبنات، {ويَجْعَلُ من يشاء عقيماً} لا يولد له، كيحيى بن زكريا عليهما السلام. وهذه الأقسام موجودة في سائر الناس، وإنما ذكروا الأنبياء تمثيلاً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5